الاثنين، 20 أبريل 2009

قضية حزب الله.. والأمن القومى المصرى

طارق الكركيت أثارت قضية ما يسمى "خلية حزب الله فى مصر" الكثير من الأقاويل, لكن الأكثر جدلا كان حول الأمن القومى لمصر, وضرورة عدم المساس به, وأن ما حدث من حزب الله يعتبر خرقا لهذا الأمن لا يمكن السكوت عليه. وبداية لا يقبل أى وطنى مصرى أى خرق أو اعتداء على الأمن القومى المصرى بأى حال من الأحوال, لكن المهم فى تقديرى هو تعريف الأمن القومى لمصر, حتى يمكننا أن نعرف هل ما قام به حزب الله خرقا أم لا؟! ربما أكون لست من الجيل الذى تربى فى فترة الناصرية, لكننى تعلمت من والدى أن الأمة العربية أمة واحدة, وأن ما بين دولها من حدود هو صنيعة الاستعمار, الذى لا يريد لهذه الأمة الوحدة, لأنه يدرك تماما مدى ما يمكن أن تحدثه هذه الوحدة, وتعلمت أنه طبقا لذلك فإن الأمن القومى لأى دولة عربية هو الأمن القومى لباقى الدول, ولذلك لا يمكن فصل أى منهما عن الآخر. لكن هذه الرؤية فى تقديرى هى رؤية لا يؤمن بها أهل الحكم فى مصر, فما حدث بعد معاهدة "كامب ديفيد" وعزل مصر عن باقى الأمة العربية, جعل النظرة الضيقة للهوية المصرية تنحصر داخل حدودها, وأصبحت الرؤية المصرية قاصرة على حدودها الإقليمية, وابتعدت مصر عن دورها القومى والإقليمى شيئا فشىء. وقديما قالوا فى الحكمة: "قل لى من تصاحب أقل لك من أنت", وبنظرة سريعة على العلاقات الرسمية والحميمية لأهل الحكم فى مصر نجد أن أصدقاء مصر فى هذه المرحلة هم: الولايات المتحدة والكيان الصهيونى, ودول الاستعمار القديم, وكل نظام مستبد يحكم شعبه بالحديد والنار, ونجد على الجانب الآخر أن نظام الحكم يعادى بشكل منقطع النظير كل قوى المقاومة والسعى إلى التحرر والاستقلال: إيران.. سوريا.. حركة حماس.. حزب الله.. ومن اللافت للنظر أن نظرة أهل الحكم فى مصر إلى أى دولة أو كيان ينبع من هذا التقييم, فكلما اقتربت من المقاومة والسعى إلى الاستقلال كلما كان ذلك مبررا لكى يناصبك أهل الحكم فى مصر العداء, والعكس صحيح, فدولة مثل ليبيا عندما كانت تقف فى صف المقاومة وحدها, أيام الحصار بسبب قضية "لوكيربى" كان أهل الحكم فى مصر يعتبرونها خارجة عن النظام الدولى, لكن ما إن سلمت ليبيا, وتركت المقاومة بعد حصار بشع لعدة أعوام, بل وتركت برنامجها النووى بلا مقابل, ما إن فعلت ذلك وانضمت لصف ما يسمى "قوى الاعتدال" حتى صارت دولة صديقة لأهل الحكم فى مصر, وفى نقيض لذلك نجد العلاقة بين مصر وسوريا, التى أصبحت تكاد تصل إلى نقطة اللارجوع بسبب اقتراب نظام الحكم فى سوريا من جبهة المقاومة ودعمه لكل القوى المقاومة فى أمتنا العربية. لقد أثبتت الأحداث دائما أن صلابة قوى المقاومة تكشف وتعرى قوى الاستسلام, فكان العدوان الصهيونى على لبنان عام 2006 كاشفا أين تقف الشعوب العربية, وأين يقف حكامها, وكذلك العدوان الصهيونى الأخير على غزة, فقد تمت تعرية كل الأنظمة التى تقف فى صفوف الأعداء دون النظر إلى الأمن القومى المزعوم. فأين كان الأمن القومى المصرى حينما انتهكت سيادة دولة شقيقة مثل لبنان؟ وأين الأمن القومى المصرى عندما يتم دك قطاع غزة المحاصر - على حدود مصر - بكل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا, بل وتنتهك سيادة مصر علنا بضرب الكيان الصهيونى لرفح المصرية أثناء هذا العدوان؟ أين الأمن القومى المصرى عندما نسمح للصهاينة بدخول أجزاء من سيناء دون تأشيرة دخول, ليعيثوا فيها الفساد من نشر الدولارات المزيفة, والمخدرات, والأيدز؟! لا يمكن أن نتحدث عن الأمن القومى لمصر إلا بطريقة واحدة, والأولى أن نهتم بحفظ الأمن القومى فى مواجهة الأعداء وليس الأشقاء, وليس من الحكمة أن تظل مصر الرسمية ضد قوى المقاومة على طول الخط, رغم أن الشعب يقف مع هذه القوى بكل ما يستطيع. ولنا أن نعود إلى الماضى قليلا, فى فترة الستينيات من القرن الماضى, حينما كانت مصر الرسمية والشعبية تعتبر أن الأمن القومى لمصر جزء من الأمن القومى لكل الأمة العربية, فكانت مصر تمد المقاومة فى الجزائر وتدعمها بكل أنواع الأسلحة والدعم المعنوى والسياسى, فهل كانت مصر فى هذه الفترة تنتهك الأمن القومى للجزائر؟! أم أنها كانت تفعل ما يمليه عليها ضميرها الوطنى والسياسى والقومى؟! إن الحملة التى تقودها مصر الرسمية "لا الشعبية" ضد حزب الله وكل قوى المقاومة تتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء للأمن القومى لمصر, حينما تستعدى الشعوب العربية ضد مصر, فهل نسينا أنه لأول مرة فى تاريخ مصر يتم الاعتداء على سفارات مصر فى عدة دول عربية شقيقة إبان العدوان الأخير على قطاع غزة؟! هل ذكر لنا التاريخ أن ذلك حدث من قبل؟ بالطبع لا, فما الذى أوصل مصر إلى ذلك؟ وألا يعتبر ذلك ضد الأمن القومى لمصر حينما تصبح الشعوب العربية قادرة على الاعتداء على سفاراتنا بعد أن كانت هذه السفارات هى الملجأ والملاذ لكل القوى الوطنية على امتداد الوطن العربى؟! إن تراجع السياسة الرسمية لمصر لخندق معاداة قوى المقاومة, وافتعال عدو من هذه القوى بديلا عن العدو الحقيقى للأمة, هو قمة التخاذل, ولنا أن نسأل أهل الحكم: ما هو موقفكم لو أن تسوية سياسية ما بين هذه القوى وقوى الاستكبار العالمى قد تمت؟! هل يمكن فى هذه الحالة إعادة الاعتبار لها ومسح قاموس الإهانات التى وجهت إليها؟ يتبقى نقطة أخيرة فى هذا الملف, وهى اللعب على العواطف والمشاعر الدينية للشعب المصرى, تحت دعوى أن ما يحدث هو عبارة عن محاولة اختراق مصر وتشييع شعبها, ونشر المذهب الشيعى فى مصر, فهذا من السخف الذى لا يستحق الرد عليه, ولا نقول إلا ما أثبته التاريخ بأن مصر دائما هاضمة لكل قادم إليها, ولا تقبل إلا ما هو كامن فى عقيدة وشخصية الشعب المصرى.